كتاب نحو اتقان اللغة العربية


1. الخطأ في قولنا: (سوف لن أذهب)


السين وسوف لا تدخلان إلا على جملة مُثْبَتة (لا تدخلان على المنفية). ثم إن (
لن) هي لنَفْي المستقبل، فلا حاجة إلى (السين) و(سوف) اللتين هما أيضاً تدلان على المستقبل.
قل إذن: لن أذهب.
ولا تقل: (سوف لن أذهب!)، ولا: (سوف لا أذهب)..

2. الخطأ في استعمال: (مبروك)


جاء في (المعجم الوسيط): «بارك اللهُ الشيءَ وفيه وعليه: جعل فيه الخيرَ والبركة» فهو مبارَك. [الأصل: مبارَكٌ فيه، ولكن الأئمة تَجَوَّزوا حيناً فحذفوا الصلة في كثير من أسماء المفعول، اصطلاحاً، وهذا مثال على تجوزهم].
وجاء في (الوسيط): «بَرَكَ البعيرُ: أناخَ في موضعٍ فَلَزِمَه.» (فعلٌ لازم). «برك على الأمر: واظب» فالأمر مبروك عليه!! أي مُواظَبٌ عليه.
قُلْ إذن: نجاحك مبارك.
ولا تقل: (نجاحك مبروك).
وقل: بيتُك الجديد مبارك؛ وزواجك مبارك.
ولا تقل: (مبروك).

3. الخطأ في قولنا: (هاتف خليوي)


إذا
نَسَبْتَ إلى ما خُتم بتاء التأنيث، حذفتَها وجوباً. فتقول في (فاطِمة): فاطِميّ، وفي (مَكَّة): مكِّي.
وإذا نَسَبْتَ إلى ما خُتم بياء مُشَدَّدة مسبوقة بحرفين، مثل: عَدِيّ؛ نَبِيّ؛ خليّة؛ أُميّة، حذفتَ الياء الأولى وفتحت ما قبلها وقَلَبْتَ الثانية واواً، فتقول: عَدَوِيّ؛ نَبَوِيّ؛ خَلَوِيّ، أُمَوِيّ…
قُلْ إذن: هاتف خَلَوِيّ.
ولا تقل: (هاتف خليوي).

4. الخطأ في قولنا: (إنّ هكذا أشياء)


هكذا = «
ها» التنبيه + كاف التشبيه + «ذا» اسم الإشارة.
فمن يقول: «إنّ هكذا أشياء …» كمن يقول: «إن مِثل ذا أشياء!» والعربي لا يقول هذا!!
وواضحٌ جداً لمن يلّم بالإنكليزية أو الفرنسية أن هذا التركيب الشنيع هو ترجمة حرفية للتركيبين:
«Such things are…» و «de telles choses sont…»
قُلْ إذن: إن مثل هذه الأشياء، أو: إن أشياء كهذه.
ولا تقل: (إن هكذا أشياء).
وفيما يلي نماذج من استعمال كلمة (هكذا) استعمالاً صحيحاً:
- هكذا قالت العرب….
- … فإذا كانت (لا) للنهي، كان المعنى هكذا:…
- هكذا فَلْيَقُلْ مَن يقول وإلا فَلْيسْكُت!
- ولكنه مع ذلك يجيء فهمُهُ خطأً، لأنه لا يريد أن يجيء إلا هكذا!
- وهكذا دواليك…

5. (كلما) لا تكرر في جملة واحدة


من أخطاء المترجمين استعمالهم (
كلّما) مرتين في جملة واحدة، على غرار التركيب الفرنسي أو الإنكليزي، نحو قولهم: «كلما تعمقتَ في القراءة والاطلاع، كلما زادت حصيلتُك من المعرفة.» والصواب حذْف (كلما) الثانية. وفي التنْزيل العزيز: }كلما دخل عليها زكريّا المحراب وَجَدَ عندها رِزقاً{.
يقال: كلما زاد اطلاعُك، اتسعت آفاقك.
ويقال: كلما زاد عِلمُ المرء، قلَّ انتقادُه للآخرين!
وقال أحمد شوقي يصف العروبة ولسانها:
أُمَّةٌ ينتهي البيانُ إليها وتؤول العلومُ والعلماءُ
كلما حثَّت الرِكابَ لأرضٍ جاور الرشدُ أهلَها والذكاءُ


6. مِن ثَمَّ؛ لذا؛ … (لا: بالتالي!)


(بالتالي) شبه جملة ركيكة جداً شاعت شيوعاً واسعاً. وقد تبين لي من اطلاعي على كثير من المقالات العلمية أن الصواب أن يحلّ محلّها ما يناسب المقام مما يلي:
مِن ثَمّ؛ لذا؛ وعلى هذا؛ وبذلك؛ إذن؛ أيْ؛ ومِن ثَمَّ يتّضح / نجد / نرى أنَّ؛ الخ…
وللفائدة أقول: (
ثَمَّ) اسم يشار به إلى المكان البعيد بمعنى هناك، وهو ظرف لا يتصرف، وقد تلحقه التاء فيقال (ثَمَّةَ) ويوقف عليها بالهاء.
أما (
ثُمَّ) فهو حرف عطف يدل على الترتيب مع التراخي في الزمن. وتلحقه التاء المفتوحة فيقال: ثُمَّتَ، ويوقف عليها بالتاء.

7. ولمّا كان … (لا: وبما أنّ!)


مِن أَوجُه استعمال (
لمّا) مجيئها ظرفاً تَضَمَّن معنى الشرط، وشرطه وجوابه فِعْلان ماضيان، نحو: لمّا جاء خالدٌ أكرمته.
فإذا كان الجواب جملة اسمية، وجب اقترانها بالفاء. وعلى هذا يمكن القول:
· ولما كنا أنجزنا العمل، وجب إعداد تقرير عنه.
· ولما كنا أنجزنا العمل، فَعَلينا إعداد تقرير عنه. ولا يقال: (بما أننا أنجزنا…)
· ولما كان التابع ع مستمراً، كان بالإمكان…
· ولما كان التابع ع مستمراً، استنتجنا / فإننا نستنتج…
· ولما كان التابع ع مستمراً، وجب أن يكون / فإنه يجب أن…
· ولما كان التابع ع مستمراً، فكلٌ من التابعين المذكورين…
ولا بدّ من الفاء في جواب (لمّا) إذا كان جملة اسمية.
ولا يقال: (بما أن التابع ….)، لأن هذا التركيب دخيل على العربية، وركيك جداً، ولا مُسَوِّغ له.
9. مهما


(
مهما) اسم شرط يجزم فعلين: الأول فعل الشرط والثاني جوابه، نحو:
· مهما تفعلوه تجدوه. (علامة الجزم: حذف النون. الأصل: تفعلونه، تجدونه).
· مهما تَقُلْ أستفِدْ منك. (حذف حرف العلة في الفعلين منعاً لالتقاء ساكنَيْن).
· مهما يكن الطفل مشاغباً يكُن محبوباً…
فإذا كان جواب الشرط جملة اسمية وجب اقترانها بالفاء، نحو:
· مهما يكن س فلدينا…/ فكلُّ تابع…
· مهما يكن ع فإننا نستطيع …/ ففي وسعنا…

10-أيُّ (الشرطية)


هي اسم مبهم تضمَّن معنى الشرط، وهي مُعْربة بالحركات الثلاث لملازمتها الإضافة إلى المفرد. وهي تجزم فعلين. وإذا كان جوابها جملة اسمية وجب اقترانه بالفاء.
· أيُّ امرئٍ يخدُمْ أُمَّته تخدُمْه.
· أيُّ الرجالِ يَكثُرْ مزحُه تَضِعْ هيبتُه.
وقد يحذف المضاف إليه فيلحقها التنوين عوضاً منه، نحو: }أيّاً ما تدعوا فَلَهُ الأسماء الحُسْنى{.
إذ التقدير (أيَّ اسم تدعوا). والفعل هنا مجزوم بحذف النون: الأصل تدعون!
· }أيَّما اَلأَجَلَينْ قضيتُ فلا عُدوان عليّ{.
· بأيِّ شيءٍ تَسْتعِنْ تكُنْ مستفيداً / تَسْتَفِدْ
· أيّاً كان س، كان ع…/يكنْ ع…
· أيّاً كان س، فلدينا…/ فإن…/ فالتطبيق…
· أيٌّ كان س جزءاً من ج، كان…


11- تَمَّ

هذا الفعل معناه (كَمُل، اكتمل). يقال على الصواب:
· تَمَّ بناءُ هذه المدرسة في 12/4/1990.
· يحتاج فعل الشرط إلى جوابٍ يتمُّ المعنى به.
· ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
· إذا تَمَّ أمرٌ بدا نقصُهُ تَرَقَّبْ زوالاً إذا قيل تَمّ
ونلاحظ أننا لو وضعنا (اكتمل) بدلاً من (تمّ) لَمَا فسد المعنى ولا تغيَّر.
ومن الشائع أن يقال: «يتم جلب الفحم من المناجم، ويتم تخزينه في المستودعات، ثم يتم حرقه في الأفران.» ويكفي ليتضح فساد التركيب وسوءُ استعمال (يتم) أن يستعاض عنه بـ (يكتمل)!!
والصواب أن يقال: يُجلب الفحم… ويُخزن… ثم يُحرق… (بالبناء للمجهول).
ويمكن أحياناً استعمال فعل (جرى) أو (حَدَثَ) عوضاً عن البناء للمجهول.
جاء في كتاب رسمي: «نذكّر بأن اجتماع المجلس سيتم في الساعة 12 من يوم الأحد 18/12/1994، وسيتم تحديد مكان الاجتماع قبل نهاية دوام يوم السبت في 18/12/1994.»
والصواب: … الاجتماع سيُعقد في الساعة … وسيُحدّد مكانه قبل…


12- الشكل

جاء في (المعجم الوسيط): «الشكل: هيئة الشيء وصورته.» وجاء: «تشاكَلاَ: تشابَهَا وتماثَلاَ.»
وجاء في (لسان العرب): «الشكل: الشِّبْه والمِثْل. هذا على شكل هذا: أي على مثاله. فلانٌ شكلُ فلان: أي مثله في حالاته. هذا مِن شكل هذا: أي من ضَرْبه ونحوه.»
وجاء فيه أيضاً: «تشاكل الشيئان: شاكل كلٌّ منهما صاحبه.»
وجاء في (أساس البلاغة) للزمخشري: «هذا شكله: أي مثله.» «هذا من شكل ذاك: من جنسه.»
وفيما يلي أمثلةٌ على استعمال كلمة (شكْل) استعمالاً صحيحاً:
جاء في (المعجم الوسيط):
«المسحوق (في الكيمياء): صفة للمادة الصلبة عندما توجد على شكل دقائق صغيرة.»
«الصَّمُولة: قطعة من الحديد مستديرة أو ذات أضلاع، جوفها مُسَنَّن في شكلٍ حلزوني.»
«الكُبَّة من الغزْل: ما جُمع منه على شكل كرة أو أسطوانة.»
وجاء في كتاب (البخلاء) للجاحظ:
· ... والناعم من كل فنٍّ واللّباب من كل شكل (ص 23).
· ... وليس هذا الحديث لأهل مرو، ولكنه من شكل الحديث الأول (ص 31).
· ... وليس هذا الحديث من حديث المراوزة؛ ولكنا ضممناه إلى ما يُشاكله (ص45).
ولْنتأمّل الآن النماذج التالية، وهي من فصيح الكلام أيضاً.
· الأصل في الكلام أن يكون منثوراً، لإبانته مقاصد النفس بوجهٍ أوضح وكلفة أقل. (لم يقل: بشكل أوضح!).
· … إرسال التخيّل على وجهٍ قلّما يخرج عن الإمكان العقلي والمادي. (لم يقل: على شكلٍ قلما…)
· … وكان أكثر ما يستعمل في الخطابة والأمثال و… والكتابة التي من هذا الوجه.
· … إن حياة الغنيّ على هذا الوجه لا تكون إلا موتاً على طريقة الحياة. (المساكين للرافعي /33)
· … ليس في الأرض شيء من خير أو شر غير ما يلزم لبناء هذا التاريخ الأرضي على الوجه الذي يتفق مع بناء الإنسان. (المساكين للرافعي /220)
· … ثم يسعدهم بهذه النية على الوجه الذي يعلم أنه من سعادتهم. (المساكين للرافعي /211)
· … لو فهموه على الوجه الذي يفهم منه. (تحت راية القرآن للرافعي /52)
والآن، ما الرأي في قول بعضهم: (فلان يقرأ الإنكليزية بشكل مقبول)؟ أللقراءة شكل؟‍‍!! الواقع أن كلمة (شكل) تستعمل في أيامنا هذه استعمالاً (جائراً):
فيقول بعضهم:
غُيِّر المخطط بشكل كامل. والصواب: غيّر المخطط تغييراً كاملاً
عُدِّلت الخطة بشكل مدهش. والصواب: عدلت الخطة تعديلاً مدهشاً
تتباين بشكل ملحوظ. والصواب: تتباين تبايناً ملحوظاً/ بدرجةٍ ملحوظة
ازداد المعدّل بشكل ملحوظ. والوصواب: ازداد المعدل ازدياداً ملحوظاً/بقدْرٍ ملحوظ
يعمل بالشكل المطلوب / الصحيح. والصواب: يعمل على الوجه المطلوب / الصحيح
يعمل بشكل سريع / بطيء / جِدِّيّ. والصواب: يعمل بسرعة / ببطء / بِجِدّ
بشكل موضوعي / دائم. والصواب: بموضوعية / دائماً / على الدوام.
بشكل سلس / ذكي. والصواب: بسلاسة / بذكاء
يؤكد بشكل قوي. والصواب: يؤكد بقوة
بشكل عام. والصواب: بوجهٍ عام / عموماً / على العموم
بشكل رئيسي. والصواب: في المقام الأول / بالدرجة الأولى
بشكل جيد/ خَفِيّ/ واسع. والصواب: جيداً / خِفْيَةً / على نطاق واسع
بشكل مستقل. والصواب: على حِدَة / على حِدَتِهِ / على حِدَتِها
بأي شكل من الأشكال. والصواب: بأي وجه من الوجوه
حلّ المشكلة بالشكل المناسب. والصواب: حل المشكلة على الوجه المناسب
كان مشغولاً بشكل مكثف. والصواب: كان مشغولاً جداً
تعديل الخطة بشكل ينسجم مع الحاجات. والصواب: تعديل الخطة بحيث تنسجم مع الحاجات
تتمثل فيه الأصالة بشكل أقلّ. والصواب: بدرجةٍ أضعف / بنسبة أقلّ
ينبغي معالجتها بشكل فعّال. والصواب: بفعالية
يمكن بشكل نموذجي. والصواب: يمكن نموذجياً…
تعمل بشكل كامل على الوقود المذكور. والصواب: تعمل كليّاً على …
تفحَّص الشجرة بشكل يدعو للاستغراب. والصواب: ..الشجرة بكيفيةٍ / بطريقةٍ تدعو…

يمكن أن نصوغ ذلك على الشكل التالي:
ذلك كما يلي:

‍وقد تبين لي من مراجعتي كثيراً من المقالات العلمية أنه في حالاتٍ أخرى (غير الأمثلة الكثيرة المذكورة) كان الأصوب - بحَسَب المعنى المراد - أن توضع محل (بشكل) إحدى الكلمات الآتية: بطريقة، بأسلوب، بصفة، بصيغة، بوجه، بدرجة، بكيفية، الخ….
ملاحظة: أجاز مجمع القاهرة، سنة 1973، قولَ الكتَّاب: «مَشَى بصورة جيدة، أو سار بشكل حسن»، لأنه يتضمن بياناً لهيئة الحَدَث. وعلى هذا، للكاتب أن يختار بين هذا القول، والقول المألوف: «مشى مشياً جيداً؛ سار سيراً حسناً.»

13- شَكَّل وتَشَكَّل


لهذين الفعلين صلة وثيقة بكلمة (الشكل). جاء في (المعجم الوسيط): «شَكَّل الشيءَ: صَوَّره؛ ومنه: الفنون التشكيلية.»
وجاء فيه أيضاً: «تَشَكَّل: مُطاوع شَكَّله، وتَشَكَّل الشيءُ: تَصَوَّر وتَمَثَّل.» ولكن:
يقول بعضهم:

هذه القواعد تشكل محور البحث. والصواب: هذه القواعد هي محور البحث
وهي في الحالتين تشكل أدوات مهمة. والصواب: وهي في الحالتين أدوات مهمة.
تشكل هذه الطريقة إنجازاً…. والصواب: تُعدّ هذه الطريقة إنجازاً
الوقود الذي يُشَكِّل المصدر. والصواب: …الوقود، وهو المصدر…
بصرف النظر عن تَشَكلُّه في المفاعلات. والصواب: بقطع النظر عن تكوّنه…
إن الحقن لا يشكّل خطراً كبيراً. والصواب: إن الحقن ليس بالخطر الشديد / العظيم


14- من خلال

جاء في (المعجم الوسيط): «الخَلَلُ: مُنْفَرَجُ ما بين كل شيئين، والجمع خلال.»
وجاء في التنْزيل العزيز: ]الله الذي يُرسِل الرياحَ فتُثيرُ سحاباً فيبسُطُه في السماء كيف يشاء ويجعلُه كِسَفاً فترى الوَدْقَ يخرجُ من خلاله[. الوَدْق: المَطَر.
وقال البحتري يصف طلوع الشمس:
حتى تَبَدَّى الفجرُ من جنباتِه كالماءِ يلمعُ من خلال الطُّحْلُبِ
(الضمير في "جنباته" عائد لِلَّيل، و"الطحلب": الخضرة على وجه الماء الآسِن).
هذان نموذجان من استعمال (من خلال) على الحقيقة:
وفيما يلي أمثلة على استعمال (من خلال) على المجاز:
· قال أمير البيان، الأمير شكيب أرسلان:
«وإنما ألْمحُ من خلال الكتابات التي يجود بها بعض أدباء الوقت مَنْزِعاً…»
· وقال الأستاذ الدكتور عبد الكريم اليافي:
«نتابع نشر مستدركات الأب الكرملي على (محيط المحيط): إما مباشرةً، وإما من خلال نَقْد الكرملي لمعجم (البستان).» (مجلة التراث العربي، افتتاحية العدد 54)
· وقال الأستاذ محمد المبارك في كُتيِّبه (عبقرية اللغة العربية، ص 31):
«وإن في دراسة العربية وتفهّمها تفهّماً عميقاً، كشفاً عن شخصيتنا وترسيخاً لعروبتنا، بل لإنسانيتنا، لأننا من خلال ألفاظها وقوالبها عرفنا أنفسنا وعرفنا الإنسانية، بل عرفنا الكون والله.»
· وقال الدكتور مازن المبارك في كتابه (نحو وعيٍ لغوي، ص 58):
«… إنه لا بدّ مع الصمود، من البحث الموضوعي الذي يتناول خصائص اللغة، ويكشف - من خلالها - عن محاسن ما يقال، أو مساوئ ما يراد‍.»
· وقال الدكتور صبحي الصالح، في مقدمته لـِ (نهج البلاغة /25):
«وما أردت بتعليقاتي هذه نقداً ولا تجريحاً، ولكني وددتُ - من خلالها - أن يميط القراء اللثام عن سرّ اهتمامي الشديد بالفهرس الأول.»
وفيما يلي نماذج مأخوذة من كتابات علمية، استُعمل فيها (من خلال) استعمالاً جانَبَه التوفيق:
· لا بد من أن يمرّ حلّ هذه المشكلة بإدارة أفضل للمصادر، ومعالجةٍ جيدة للضحايا المحتملة، من خلال البدء (‍‍!) بتشخيص سريع.
أقول: … المحتملة، بدءاً بتشخيص سريع.
· تقوم هذه الوكالة من خلال برنامجها الموضوع لعشر سنوات بتخطيط شامل من خلال إجراء تقويمٍ مقارن لمصادر الطاقة.
أقول: تقوم هذه الوكالة في برنامجها… بتخطيط شامل نتيجة إجراء تقويمٍ…
· سيتيح هذا القانون للمنشآت الروسية، من خلال نشاطها في هذا المجال، أن تدرّ نحو 6 ملايين دولار في السنة.
أقول: … الروسية، بممارسة نشاطها في هذا المجال، أنْ…
· إنها مُعْطَيَاتٌ مهمة، ولكني لست متأكداً (كذا) بأنك (كذا) تستطيع من خلالها الادعاء صراحة بأنها…
أقول: … ولكني لستُ متحققاً أنك تستطيع بناءً عليها / استناداً إليها / الادعاء صراحة…
· وقد تأكد هوفمان (كذا) وزملاؤه من خلال أعمالهم أن الكائنات الحية اختفت تقريباً.
أقول: تأكد لهوفمان وزملائه، نتيجة أعمالهم (أو: من أعمالهم) أن…
وقد تبين لي من اطلاعي على مقالات علمية كثيرة أن الأصوب أن يُختار - عوضاً عن (من خلال) - ما يناسب المقام مما يلي:
بـ، في، من طريق، بواسطة، أثناء، باستعراض، انطلاقاً من، باستعمال، بممارسة، بفضل، بسبب، نتيجة لـِ، بالاستفادة من، وذلك أن، بإجراء، بالرجوع إلى، الخ...

15- أكَّد وتأكَّد


جاء في (المعجم الوسيط): «أكَّد الشيءَ تأكيداً: وثَّقه وأحكمه وقرَّره فهو مؤكَّد.
تأكَّد: مطاوع أكَّده، وتأكَّد: اشتد وتَوَثَّقَ.»
إذن: لا يقال: (أكَّد على الشيء)، وإنما يقال: (أكَّد الشيءَ! فتأكَّد الشيءُ).
وعلى هذا لا يصح أن نقول مثلاً: (يجب أن نتأكّد من حدوث كذا)، لأن الصواب هو: (يجب أن يتأكَّد لنا حدوث كذا) أو (يجب أن نتحقق حدوث كذا، أو نتيقَّن أو نستَيْقِنَ حدوثَ كذا، أو نَتَوثَّق من كذا أو نستوثق منه).
ولا يصح أن تقول: (هل أنت متأكّد؟)، لأن الصواب هو: (هل أنت متحقق؟ / متيقن؟ / مستيقن؟).


16- على الرغْم

جاء في (المعجم الوسيط): «الرَّغْم: الرَّغام (أي التراب). ويقال: فعله على رغمه، وعلى الرغم منه، وعلى رغم أنْفِهِ: على كُرْهٍ منه.»
يقال في العربية: (على رغم كذا، وعلى الرغم مِن كذا، وبرغم كذا، وبالرغم من كذا).
ويقال مثلاً: (ما كنت أحبّ أن أحضر، ولكني حضرتُ رغْماً).
ولا تستعمل كلمة (الرغم) في غير هذه التراكيب التي - لدى استعمالها - يكون معنى الكُرْهِ وعدم الرغبة أو القَسْرِ أو المُغالَبَة أو المعاناة ملحوظاً غالباً، نحو: (أخذ الأب طفله إلى المدرسة على الرغم منه...)
وفيما يلي نماذج من استعمالاتٍ جانَبَها التوفيق:
· على الرغم من أن هذه المسألة ليست جديدة، هنالك ملاحظات حديثة أثارتها الأبحاث العلمية.
أقول: ومع أن هذه المسألة ليست…
· ورغم أن المغنيتارات كانت منذ عام 1992 مجرد فكرة نظرية، لم يتمّ (كذا) تَعَرُّف أول مغنيتار إلا مؤخراً (كذا).
أقول: ومع أن… نظرية، لم يُتَعَرَّف (أو: لم يَحْدث تَعَرُّف)… إلا أخيراً / حديثاً.
· العجيب أن خالداً على الرغم من فقره كريم!
أقول: العجيب أن خالداً على فقره كريم!
قال الشاعر:
ما سَلِمَ الظبيُ على حُسْنِه كلاّ ولا البَدْرُ الذي يوصف
الظبْيُ فيه خَنَسٌ بَيِّنٌ والبدر فيه كَلَفٌ يُعرف
· على الرغم من كون البلوتونيوم مادة سامة… فإنه لا يُعدُّ المادة الأكثر (كذا) سُميَّةً…
أقول: مع أن البلوتونيوم… فهو لا يُعَدُّ أكثر المواد سُمِّيَّةً على الأرض.

17- لا تَقُل: (أعلاه)، (الآنف الذكر)، (مُسْبقاً)‍!


إذا أدرج مؤلِّفٌ في مقاله العلمي مخططاً مثلاً، فَلَهُ أن يقول: «يبين الشكل مخطط الجهاز المستعمل، ويلاحَظ في أعلاه وجودُ…»
الضمير في كلمة (أعلاه) هنا عائدٌ إلى المخطط، والجملة سليمةٌ معافاة.
أما في العبارة: «أعلنت أمريكا أنها سوف تتبع الخيار المذكور أعلاه»، فالهاء ضمير لا مَرْجِع له! وهذا خطأ. وقبل أن نذكر وجه الصواب نورد ما جاء في معاجم اللغة:
ففي (لسان العرب): «وفعلتُ الشيءَ آنفاً: أي في أول وقت يقرب مني، وجاؤوا قُبَيْلاً» بضمّ القاف وفتح الباء على صيغة التصغير.
وفي (المعجم الوسيط): «يقال: فَعَله آنفاً أو قريباً.» وفي (أساس البلاغة): «أتيته آنفاً.»
ونرى أن (آنفاً) جاء في كلام العرب ظرف زمان، ولم يشتق من فِعل (أَنِفَ) الذي يعني استنكف وتَنَزَّه (واسم الفاعل منه آنِف). وعلى هذا من الخطأ أن نقول: «الخيار المذكور أعلاه، أو الآنف الذكر»، والصواب أن يقال: (المذكور آنفاً، أو المتقدم ذكره، أو المذكور قريباً) (أي المذكور من قريب). وفي التنْزيل العزيز: }كَمَثَلِ الذين من قَبْلِهم قريباً ذاقوا وَبالَ أمرِهم ولهم عذاب أليم{.
ويقال: (قلت كذا آنفاً وسالِفاً. وجاؤوا آنفاً) (المعجم الكبير - مجمع القاهرة).
وهناك خطأ شائع آخر، نحو قولهم: (فَعَل ذلك مُسْبقاً)! ذلك أنه جاء في (لسان العرب)، وفي (المعجم الوسيط - الطبعة الثالثة): «أَسْبَقَ القومُ إلى الأمر: بادروا»، فالأمر مُسْبقٌ إليه! (لا بد من «إليه» بعد «مسبق» لأن «أسبَقَ» فِعلٌ لازم لا يتعدى بنفسه وإنما بالحرف!).
وليس بين المعنى المعجمي والمعنى المراد بالخطأ الشائع المذكور أي صلة.
والصواب أن نقول: فعل ذلك مُقدَّماً وَسَلَفاً. أو - في سياق آخر - فعل ذلك سابقاً/سالِفاً/ قَبْلاً (إذا أردتَ قَبْليَّةً غيرَ معيَّنة)/ مِن قَبْلُ (إذا كنتَ تعني قَبل شيء معيَّن).
ولنا أن نقول مثلاً:
· يجري تجميع المباني السابقة الصُّنْع (أو: القَبْلِيَّة الصنع) بسرعة.
· كان يَتوقع حضورَه فهيأ له سلفاً بعض الأسئلة.
· لا ترتجل محاضرتك (درسك/ خطبتك)! حَضِّرها/ أَعِدََّها مُقدَّماً…
· يحتاج هذا الجهاز إلى تسخين قَبليٍّ ليكون أداؤه جيداً…
· يتطلب هذا الأمر إذناً سالفاً/ قبليّاً.


18- لا تقُل: (يَتَوجَّب)!

جاء في (المعجم الوسيط): «تَوَجَّب فلانٌ: أكل في اليوم والليلة أكلةً واحدةً.»
ومن معاني الوجبة: الأكلة الواحدة.
وقد شاع أخيراً استعمال (يتوجَّب) بدلاً من (يجب)، وهذا خطأ صريح يجب علينا مكافحته!
ولا يفرّق بعض الناس بين (يجب) و(ينبغي) من حيث المعنى والتعدية، فيقولون: ينبغي علينا (!) أن نفعل كذا. ولكن، جاء في (المعجم الوسيط):
«يقال: ينبغي لِفلانٍ أن يعمل كذا: يَحْسُن به ويُسْتَحبُّ له. وما ينبغي لفلانٍ أن يفعل كذا: لا يليق به ولا يحسُن منه.»
وفي التنْزيل العزيز: }ما كان ينبغي لنا أنْ نتخذَ مِن دونِك مِن أولياء{.
يقال إذن: (يجب على فلان، وينبغي لفلان). والفرق بين التركيبين والمعنيين واضح وكبير.


19- - تَعَرَّفَه - تَعَرَّف به / إليه - مسألةٌ مُتَعارَفة

· عَرَّف الشيءَ: حدَّده بذكر خواصّه المميِّزة، فَتَعَرَّفَ الشيءُ: صار معروفاً (فعل لازم: مطاوع عَرَّف).
يقال: عَرَّفتُك أخباري وبأخباري: أعلمتُك بها؛ جعلتُك تعرفها.
عَرَّفتُك صاحبي وبصاحبي: جعلتُك تعرفه، فأصبحتَ تقف على حاله وشأنه.
لذا يصّح أن نقول: التعريف بالمعلوماتية؛ التعريف بالأدب العربي...
· تَعَرَّف الشيءَ وبالشيءِ: أصبح يعرفه بعد طلب. يقال: تعرَّف الطريقَ؛ تَعَرَّف حقيقةَ الأمر.
· تعرَّف الرجلَ وبالرجلِ: أصبح يقف على حاله وشأنه؛ صار معروفاً عنده.
ولا يقال: تعرَّف على كذا!
· تَعَرَّف الموظفُ إلى المدير وللمدير: جَعَلَ المديرَ يعرفه؛ عّرَّفه بنفسه؛ أعلمه مَنْ هو.
وفي الحديث: «تَعَرَّفْ إلى الله في الرخاء يَعرفْك في الشدة» أي: اِجعلْه يعرفك بطاعته في الرخاء يُسعفْك في الشدة.
· تعارَفَ القومُ: عَرَفَ بعضُهم بعضاً (فعل لازم)
· تعارف فلانٌ وفلان، صار كلٌ منهما يعرف الآخر (من أفعال المشاركة).
· تعارفوا الشيءَ (فعل متعدّ): عرفوه فيما بينهم. وعلى هذا يقال: هذه عاداتٌ متعارفة! أي معروفة شائعة. ولا يقال: (متعارف عليها!!)

20- ما زال - لا يزال


· تدخل (
ما) النافية على الفعلين الماضي والمضارع، نحو: ما خرجت، ما كلّمته، ما أريد، ما أدري. وعلى هذا يقال على الصواب: ما زال، ما يزال، فيُدَلُّ بهما على الإثبات وعلى الاستمرار، نحو: ما زال الهواء بارداً. ما يزال الهواء بارداً.
· تدخل (
لا) النافية على المضارع، نحو: لا أريد، لا أدري، لا يزال. ولا تدخل على الماضي لإفادة النفي. فلا يقال: (لا جاء فلان) بل: (ما جاء فلان). ولا يقال: (لا زال الهواء بارداً) وهذا خطأ شائع جداً، والصواب: لا يزال الهواء بارداً، أو ما زال الهواء بارداً.
· ولكن تستعمل (لا) مع الماضي لتكرار النفي، نحو: }فلا صدَّق ولا صلَّى{.
· تدخل (لا) على الفعل الماضي لتفيد الدعاء، لا النفي. فيقال: لا سمح الله؛ لا قدَّر الله؛ لا أراك الله مكروهاً؛ لا عدِمتُك؛ لا زال بيتُك عامراً.
· وتدخل (لا) على الفعل المضارع لتفيد الدعاء أحياناً. ويَستَبين هذا من السياق، نحو: لا تزال عناية الله تحرسُك!
لا تزال سَبَّاقاً إلى الخير!
لا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ / فاهُ…
ملاحظة: يستعمل تركيب (لم يَزلْ) بمعنى (لا يزال/ ما يزال).
وفيما يلي نماذج من أفصح الكلام:
فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين.
ولقد جاءكم يوسف من قَبْلُ بالبيّنات فما زلتم في شكٍ مما جاءكم به.
ولا تزال تطَّلع على خائنةٍ منهم إلا قليلاً منهم.
لا يزال بنيانهم الذي بَنَوا ريبةً في قلوبهم.
ولا يزالون يقاتلونكم حتى يَردُّوكم عن دينكم إِنِ استطاعوا.


21- حَسَبَ، بِحَسَبِ، على حَسَبِ، حَسَبَ ما

مّما جاء في (المعجم الوسيط): «حَسَبُ الشيءِ: قَدْرُه وعددُه. يقال: الأجرُ بحَسَبِ العمل.»
وجاء في (أساس البلاغة): «الأجرُ على حَسَبِ المصيبة.»
وجاء في (محيط المحيط): «حَسَبَ ما ذُكر: أي على قدْرِه وعلى وَفْقِه.»
وجاء أيضاً: «ليكن عملك بحَسَبِ ذلك: أي على وفاقه وعدده.»
ويقال على الصواب: على حَسَبِ ما يقتضيه المقام.
كما يقال: على قدْر الحاجة، وبحَسَب الضرورة.
· ويُغْفِل كثيرٌ من الأدباء حرفي الجر (على) و (الباء)، فيقولون: الأجر حَسَبَ العمل.
· وقد لاحظتُ في الكتابات العلمية المعاصرة، أن (حسب) كثيراً ما تُستعمل في غير محلّها المناسب، وأن من الأصْوَب أن يوضع بدلاً منها، ما يلائم السياق مما يلي:
تَبَعاً لـِ، طِبْقاً لـِ، وَفْقاً لـِ، بمقتضى، بمُوْجب، بناءً على، استناداً إلى، عملاً بـ، انطلاقاً من، الخ…


22- بينما

جاء في (المعجم الوسيط): «بينما: تكون ظرف زمان بمعنى المفاجأة، ولها صدر الكلام.»
إذن، (بينما) لها الصدارة في الجملة، أي يجب أن تكون في بدء الكلام.
يقال: بينما زيدٌ جالس، دخل عليه عمرو.
ولا يقال: أحسنَ إليك زيد بينما أنت أسأت إليه.
وإنما يقال: أحسنَ إليك زيد، على حين/ في حين أسأت أنت إليه (أو: أمّا أنت فأَسأْت إليه).


23- نَفِدَ يَنْفَدُ - نَفَذَ يَنْفُذُ

جاء في (المعجم الوسيط): «نفِدَ الشيءُ يَنْفَدُ نَفَداً ونَفاداً: فَنِيَ وذهب.» وفي التنْزيل العزيز: ]قل لو كان البحرُ مِداداً لكلمات ربي لنَفِدَ البحرُ قبل أن تَنْفَدَ كلماتُ ربي{.
وجاء في (المعجم الوسيط): «نَفَذَ الأمرُ يَنْفُذُ نُفُوذاً ونَفاذاً: مضى. يقال: نَفَذَ الكِتابُ إلى فلانٍ: وصل إليه؛ وهذا الطريق ينفُذُ إلى مكان كذا: يصل بالمارّ فيه إلى مكان كذا؛ ونفَذَ فيه ومنه: خرج منه إلى الجهة الأخرى.»
فهل يجوز - بعد هذا - الخلط بين الفعلين؟!


24- حافَة حافات

تُلفظ كلمة (حَافَة) بالتخفيف، أي بفاءٍ غير مشدَّدة، وتُجمع على (حافَات)، كما تُجمع ساعة، ودارة، وطاقة، على: ساعات، ودارات، وطاقات. ولا يجوز جمعُها على حوافّ، كما تجمع حاسّة على حواسّ، لأن هذه تلفظ بالتشديد، مثل مادّة (موادّ)، خاصّة (خواصّ)، دابّة (دوابّ)، عامّة (عوامّ)...
وتُجمع (حافَة) جمع تكسير على: حَيْف، وحِيَف.


25– السَّوِيَّة، والمستوي، والمستوى

جاء في (المعجم الوسيط): «السَّويُّ: المستوي؛ المعتدل لا إفراط فيه ولا تفريط؛ العاديّ لا شذوذ فيه؛ الوسط.» يقال: فلانٌ إنسانٌ سَوِيّ (وهم أسْوِياء). وفلانةُ إنسانةٌ سَوِيّة. وامرأةٌ سَوِيّة: أي تامّة الخَلْق والعقل.
وجاء في (الوسيط): «السَّويّة: الاستواء والاعتدال؛ العدْل والنَّصَفَة» (أي الإنصاف).
يقال: هما على سويةٍ في هذا الأمر: أي على استواء، أي هما مستويان فيه: متماثلان!‍ وقسمتُ الشيءَ بينهما بالسّويّة: أي بالعدل. وأرضٌ سويّةٌ: إذا كانت مستوية. وجاء فيه: «السطح المستوي: هو الذي إذا أخذتَ فيه أيَّ نقطتين، كان المستقيم الواصل بينهما منطبقاً عليه.» فهو إذن كسطح الماء الراكد. ويجمع على: مستوِيات.
يقال: هذا سطحٌ مُسْتَوٍ. رسمتُ سطحاً مُسْتوِياً. كتبتُ على سطحٍ مستوٍ.
وجاء في الطبعة الثالثة من (المعجم الوسيط): «المُسْتوى: الدرجة والمكانة التي استوى عليها الشيءُ.»
ومن معاني فِعْل «استوى: استقر وثبت.» ويُجمع المستَوى على مُسْتوَيات. فالصواب أن يقال: يجب رفع مستوى الطلاب (لا: سوية الطلاب!).
حساب مُستوَيات الطاقة في الذَّرَّة (لا: سويات الطاقة؛ وهذا خطأٌ وقعتُ فيه قديماً!).
هذا مستوىً رفيعٌ، بلغ مستوَىً رفيعاً، انطلق من مستوىً منخفضٍ!


26- بـ / بواسطة / بوساطة

إذا أراد الكاتب إبراز وسيلة إيقاع الفعل، عَدَّاه بـ (باء الاستعانة):
· الداخلة على الأداة أو الآلة التي أوقعت الفعل، نحو: كتبت بالقلم؛ سافرت بالسيارة؛ حفرت بالمِعْوَل.
· الداخلة على مصدر فعلٍ آخر، نحو: نجحتُ بفضل الله؛ أنجزت العمل بعَون الله؛ حدث الصلحُ بيني وبينهم بتَوَسُّط فلان؛ سقيتُ الأرض بوساطة النواعير.
· جاء في (المعجم الوسيط) وفي غيره: «وَسَطَ الشيءَ يَسِطُهُ وَسْطاً وسِطَةً [ووُسُوطاً]: صار في وَسَطه. يقال: وَسَطَ القومَ والمكانَ فهو واسط (وهي واسطة). ووَسَطَ القومَ وفيهم وساطةً [أي وَسَطَ الرجلُ قومَهُ وفي قومِهِ]: توسَّطَ بينهم بالحقّ والعدل.»
· فالوساطة مصدر، وكذلك التَوَسُّط. والواسِطَ هو المتوسِّط.
· وجاء في (المعجم الوسيط): «واسطة القلادة: الجوهر الذي في وسطها.»
· وجاء في (أمالي المرتضى): «ذكر فلانٌ أن أباه كان الواسطة بينهما.»
والواسطة في الأصل صفة. لكنها انقطعت أحياناً في الاستعمال عن موصوفها، فغَلَبَت عليها الاسمية، وأُنزلت مَنْزلة الأسماء بتقدير (أداة واسطة)، واستعملها النحاة بهذا المعنى.
فالأصل في «واسطة القلادة»: «الجوهرة أو الدُّرة الواسطة للقلادة» أي: المتوسّطة.
والتقدير فيما جاء في (الأمالي): «أي كان أبوه الوسيط أو الأداة الواسطة بينهما، وهذا مجاز.»
· يقول ابنُ مالك في ألفيَّته:
التابعُ المقصود بالحُكم بلا واسطةٍ هو المسمى بَدَلاْ
· ويقول ابن الخشّاب: لأن المتعدي إذا استوفى معموله الذي يتعدى إليه بنفسه، لم يتعدَّ إلى غيره إلا بواسطة.
· واستعمل أبو البقاء الكفويّ في (كُلّيّاته) كلمة (بواسطة) كثيراً. وأبو البقاء مَنْ تَعْلم تبسّطاً في العربية واستبحاراً وسَعَةَ اطلاع. من ذلك قوله في الجزء الخامس ص 235: الفعل المنفي لا يتعدى إلى المفعول المقصود وقوع الفعل عليه إلا بواسطة الاستثناء.
وفي ص 244: النصب على الاستثناء إنما هو بسبب التشبيه بالمفعول لا بالأصالة، وبواسطة (إلا)، وأما إعراب البدل فهو بالأصالة وبغير واسطة.
وقال الإمام ابنُ قُدامة (في مختصر منهاج القاصدين، ص 280): أخبرهم الله تعالى بكلامٍ سمعوه بواسطة رسوله.
· وقد أورد (المعجم الوسيط) تعريف (الواسطة) كما وضعه مجْمع القاهرة فقال: «الواسطة: ما يُتَوصَّل به إلى الشيء.»
والخلاصة: إذا أمكن الاكتفاء بباء الاستعانة لأداء المعنى بوضوح، فهذا هو الأفضل! وإذا دعت الحاجة إلى إبراز الأداة أو الوسيلة التي حدث وقوع الفعل بها، استُعملت الواسطة أو الوساطة.


27- الفَتْرة

جاء في (المعجم الوسيط): «فَتَر يفْتُر فُتُوراً: لانَ بعد شدة، أو سَكَنَ بعد حِدَّةٍ ونشاط.» وفي التنْزيل العزيز: }يُسبِّحون الليلَ والنهارَ لا يَفْتُرُون{. أي لا يَضعُفون عن مداومة التسبيح.
وجاء في (الوسيط) أيضاً: «الفترة: الضعف والانكسار. والفترة: المدة تقع بين زمنين أو نَبِيَّيْن.» وفي التنْزيل العزيز: ]يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يُبيِّنُ لكم على فَتْرةٍ من الرُّسُل{. أي انقطاع من الرسل.
وجاء في (معجم ألفاظ القرآن الكريم) وهو من إعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة: «فَتْرة: مُضِيُّ مدةٍ بين رسولين.»
وجاء في (أساس البلاغة /فتر) للزمخشري: «أجِد في نفسي فَتْرةً وفُتُوراً إذا سَكَن عن حِدّته ولانَ بعد شدته. وتقول: فلانٌ عَلَتْهُ كَبْرَه، وعَرَتْهُ فَتْرَه» أي: ضَعْف.
وفي (الوسيط): «فترةُ الحُمّى: زمن سكونها بين نوبتين.»
فالفترة إذن مُدةٌ تتميز بالفتور وانقطاع الجِد أو النشاط فيها. وكل حال للسكون أو الانقطاع تتوسط بين حالين من الحِدَّة أو الجِدّ أو الاجتهاد فهي فترة، طالت أم قَصُرَت. وكل حال من الشدة أعقبتها حال من الضعف أو اللين فقد آلت إلى فترة.
ومن الخطأ حسبان الفترة زماناً كأيّ زمانٍ من الأزمنة‍!
· قال ابن مسعود: «كونوا جُدَدَ القلوب.» وشرح هذا القول الإمام ابن قُدامة فقال: «كِناية عن عدم الفترة في العبادة.» ونقل ابن قُدامة قول بعضهم: «كنتُ إذا اعتَرتْني فترةٌ في العبادة، نظرتُ إلى وجه محمد بن واسع وإلى اجتهاده.»
· وقال الشيخ علي الطنطاوي: «… كان الشابان يتحادثان وهما يمشيان … وتكون فترةٌ يصمتان فيها فلا يُسمع إلا وَقْعُ أقدامهما.»
· وقال مصطفى صادق الرافعي في (كتاب المساكين /146): «ثم لتعلمنَّ أنه إن كانت للقَدَرِ فَتْرةٌ عن رجلٍ من الناس، فقيراً أوغنياً أو بين ذلك، فما هي غَفْلةٌ ولا مَعْجِزَة، ولعلّ الرجل إنما يُمدُّ له في الغيّ مدّاً طويلاً…»
· ولنا أن نقول: كانت السنوات ما بين الحربين العالميتين فترةً للمتحاربين.
- وكان عقد الثلاثينيات المنصرم فترةً للاقتصاد العالمي، أصابه فيها رُكود.
- أمضى فلانٌ على شاطئ البحر فترةً استراح فيها من عناء العمل.
- تتضمن السنةُ الإنتاجية في معظم الشركات فترةً مخصصة لاستجمام العاملين.
- توقفت السفينة في المرفأ فترةً للتزود بالوقود والأغذية الطازجة.
وقد شاع استعمال (الفترة)، في غير ما وُضعت له، شيوعاً واسعاً؛ فيقولون، مثلاً:
1 - سيُعقد المؤتمر / يستقبل المعرض زوّاره / تجري مقابلة المرشحين… في الفترة من 1-5 /6/1999.
أقول: سيعقد المؤتمر، إلخ… في المدة من 1-5 /6/1999.
2 - يجب مراقبة ذلك في فترة إزهار النبات…
أقول: مراقبة ذلك في طَوْر إزهار النبات. [من معاني الطور: التارة، أي: المدة والحين].
3 - لا تسطع النجوم إلا لفترة محدودة.
أقول: لا تسطع النجوم إلاَّ حِقْبة / برهة / مدة محدودة (تكون خلالها في حالة ثَوَرَان لا فتور!).
4 - الطاقة التي تُشِعّها النجوم في أحسن فترات وجودها تأتي من تفاعلات اندماج نوى الهدروجين.
أقول: الطاقة التي تُشِعّها النجوم في أحسن أوقات / أطوار / مراحل وجودها…
5 - والجزء الآخر من غاز المجرّات تحوَّل بشكل (كذا) كثيف إلى نجوم في فترة قصيرة.
أقول: والجزء الآخر من غاز المجرّات تحوَّل متكاثفاً بشدة إلى نجوم في مدةٍ / زمنٍ قصير.
6 - على الطلاب بذل الجهد أثناء فترة الدراسة (!) وإيلاء الفترات التدريبية عناية خاصة.
أقول: على الطلاب بذل الجهد أثناء الدراسة / مدة الدراسة، وإيلاء الأوقات التدريبية / أوقات التدريب عناية خاصة.
7 - حدث من فترة أن اكتشف أحد الباحثين…
أقول: لا معنى لـِ (حدث من فترة/ أو من مدة …) لأن مجرد استعمال الفعل الماضي يعني أن الحدث جرى قبل زمن التكلم. فإذا أراد المتكلم / الكاتب مزيداً من التحديد، وجب عليه تعيين الزمن المنصرم بعد الحدث (حدث قبل 3 أيام مثلاً…) أو إضافة كلمة مُعبِّرة: جرى قديماً / حديثاً / قريباً / قبل أيام قليلة / قبل مدة قصيرة، إلخ…
8 - زارني منذ فترة قصيرة...
أقول: زارني قبل مدة قصيرة... زارني حديثاً / قريباً…
9 - يجب العناية بذلك في فترة الشباب على الأقل!
أقول: أتتميز مرحلة الشباب بالفتور أم بالحيوية والنشاط؟! [الشباب مرحلة من العمر تلي الطفولة وتسبق الرجولة. والشُّبّان والشَّوابُّ (الشابّات) هم الذين يعيشون مرحلة الشباب]. ويُجمع الشابّ على شباب أيضاً.
ولعل من المفيد أن أُورِد شيئاً مما جاء في مقال الدكتور البدراوي زهران (مجلة مجمع القاهرة، العدد 72 لعام 1993):
«... بل لهذا وُجدت للأوقات كلمات مختلفة على حَسَبِ الطول والقِصَر في المدة:
فالمدة شاملة لجميع المقادير من امتداد الزمن، وتنطوي فيها اللحظة أو اللمحة للوقت القصير، والبرهة والرَّدَح للوقت الطويل، والفترة للمدة المعترضة بين وقتين، والحين للزمن المقصود المعيَّن، والعهد للزمن المعهود المقترن بمناسباته، والزمن للدلالة على جنس الوقت كيفما كان، والدهر للمدة المحيطة بجميع الأزمنة والعهود والأحيان.»
أقول: جاء في (المعجم الوسيط): «البُرهة: المدة من الزمان.» (لم يَصِفْها بالطول!) وجاء في المعجم الكبير (الذي أصدره مجمع القاهرة): «البَرْهة: المدة الطويلة من الزمان، أو هي أعمّ. البُرْهة: البَرْهة. يقال: أقمتُ عنده بُرهةً من الدهر.»
وجاء في (الوسيط): «الهُنَيْهة: القليل من الزمان. يقال: أقام هنيهةً.»
وجاء فيه أيضاً: «الحِقْبة من الدهر: المدة لا وقت لها. أو السنة. (ج) حِقَبٌ وحُقُوبٌ.
وجاء فيه أيضاً: «الحُقْبُ والحُقُبُ: المدة الطويلة من الدهر (80 سنة أو أكثر). (ج) حِقاب / أحقاب.»
وجاء فيه أيضاً: «المَرْحلة: المسافة يقطعها المسافر في نحو يوم، أو ما بين المنْزِلَيْن.»
وتستعمل المرحلة الآن بمعنى (قَدْرٍ محدَّد من الشيء) وعلى الخصوص (قدْرٍ من الزمان).
يقال: مرحلة الطفولة، مرحلة الشباب، مرحلة الرجولة، مرحلة الكهولة، مرحلة الشيخوخة…
ويقال: مرحلة الدراسة الابتدائية / الإعدادية / الثانوية/ الجامعية…
وجاء في معجم (متن اللغة): «السَّبَّة من الدهر: كالبرهة والحقبة، وهي السَّنْبة.»
وجاء في (الوسيط): «الأَوانُ: الحِيْنُ. يقال: جاء أوانُ البرد. والجمع آوِنَة.»

28- حَذْف الجارّ - النصبُ


حذفت العرب حرف الجر في مواضع، بعضها قياسيّ، وبعضها سماعيّ.
· فمن القياسي: حذف الجار قبل (أنّ) و(أنْ).
يقال على الصواب: لا شكّ أنك عالم؛ ولا بد أنك ذاهب، ولا محالة أنك آت. وأصل الكلام لو قيل على المَصدر: لا شك في علمِك، ولا بد من ذهابك، ولا محالة من إتيانك. ولك أن تقول: لا شك في أنك عالم؛ ولا بد من أنك ذاهب... وفي التنْزيل العزيز: }لا جَرَمَ أنَّ لَهُمُ النارَ{. أي: لا جرم من أن لهم النار.
تقول: أشهد أنْ لا إله إلاَّ الله، وأنّ محمداً رسول الله.
أي: أشهد بأنْ لا إله إلاَّ الله، وبأنّ محمداً رسول الله.
وفي التنْزيل العزيز: }فلا جُناح عليه أنْ يَطَّوَّفَ بهما{، أي: ... في أنْ يَطَّوَّف...
وفيه أيضاً: }وعجبوا أنْ جاءهم منذرٌ منهم{، أي: عجبوا لـِ / من أنْ جاءهم…
وتقول: أنا راغبٌ أنْ ألقاك، وطامع أن تُحسِن إلى زيد، وحريص أنْ أصِلك. أي: أنا راغبٌ في أن ألقاك، وطامع في أنْ تُحسِن إلى زيد، وحريص على أنْ أصلك.
ولكن لا يُحذف الجارّ إذا جُعل المصدر مكان (أنْ). تقول: أنا راغبٌ في لقائك، وطامعٌ في إحسانك إليه، وحريصٌ على صِلَتِك.
ومن القياسي: النصبُ على الظرفية الزمانية:
إذْ ينصب ظرف الزمان مطلقاً، سواءٌ أكان مُبْهماً أم مختصاً، نحو:
سِرْتُ حيناً / مدةً، ونِمْتُ ليلةً، على شرط أن يتضمن معنى (في)!
قدِمتُ من سفري ليلاً (في الليل). جاءني صباحاً، ظهراً، مساءً (في الصباح، في الظهر، في المساء…).
ومن القياسي: سقوط الجارّ - الذي تتعدى به الأفعال اللازمة - في ظروف المكان المُبهَمة (وتُعرف بكونها صالحة لكل بقعة)، مثل: مكان، ناحية، جهة، جانب، فوق، تحت، يمين، شمال، أمام، خلف، أسفل…
تقول: مررتُ أمامَ قصر العدل، فتنصب (أمام) على الظرفية لأنها من الظروف المبهمة.
ومن السماعي: «
نَزْعُ الخافِض» مع ظروف مكان مختصة.
والأصل الذي قرره جمهور النحاة هو دخول الجارّ على الظروف المختصة (غير المبهمة). تقول: مررتُ بدار فلان، فتُدخل الجار (بـ) على (الدار) لأنها ظرف مختص.
وقد شذّت مواضع نُزع فيها الخافض (أي حُذِف الجارّ) مع ظروف مختصة، نحو: دَخَلَ الدارَ أو المسجدَ أو السوقَ. ونَزَلَ البلدَ، وسكنَ الشامَ… فقالوا إن النصب هنا على إسقاط الجارّ اتساعاً [لأن هذه المواضع هي ظروف مكان مختصة، والأصل فيها الجرّ] وإنها سماع فلا يقاس عليها! من ذلك قول جرير:
تَمرُّون الديارَ ولم تَعُوجُوا كلامكم عليَّ إذن حرامُ
فنصب (الديار) وليس ظرفاً مبهماً، فهو منصوب إذن على نزع الخافض اتساعاً، لأنه على نية الجر. وأصله: تمرّون بالديار أو على الديار.
وقولُ ساعِدة:
لَدْنٌ يهزُّ الكفَّ يعسِل متنُه فيه، كما عَسَلَ الطريقَ الثعلبُ
فنصب (الطريق)، وهو ظرف مختص (غير مبهم). [عَسَلَ الثعلبُ: سار في سرعة واضطراب].
وهناك أسماءٌ مُعْرَبة، عُدِل بها إلى الظرفية فنُصبت. من ذلك:
· الخَلَلُ: وهو الفرجة بين الشيئين. هذا هو الأصل. وقد عُدِل بهذا الاسم المفرد إلى الظرفية. فقال نصر بن سيّار: (أرى خَلَلَ الرماد وميضَ نار). وقد جُمع الخلل على (خِلال). ونُصب في الآية: }فجاسوا خلالَ الديار{.
· طَيّ وثِنْي: فقد جاءا ظرفين أيضاً: أنفذْتُ دَرْجَ كتابي، وطَيَّ كتابي، وثِنْيَ كتابي.
ولكن يقال أيضاً (على الأصل)، أنفذته في درجِ كتابي، وفي طيِّه، وفي ثِنْيِه.
· واستُعملت (أثناء) جمع (ثِني) استعمال الاسم. ولكنها جاءت ظرفاً في قول الشاعر الجاهلي عمر بن ماجد:
‌ينام عن التقوى ويوقظه الخَنا فيخبِط أثناءَ الظلام فُسُول
وجاءت أيضاً في كلام بعض الأئمة:
قال الرضيّ في (شرح الكافية): فموضعها أثناءَ الكلام…
وقال ابن خلدون في (مقدمته): ومسائل من اللغة والنحو مبثوثة أثناءَ ذلك.
وقال ابن الدباغ في (نَفْح الطيب): وللنسيم أثناءَ ذلك المنظر الوسيم تراسُلُ مشي.
· الضِّمْنُ: باطنُ الشيءِ وداخله. وجاء في (لسان العرب/ضمن): وأنفذْتُه ضمنَ كتابي أي: في طَيِّه.
· الوَفْقُ: وَفقُ الشيءِ: ما لاءَمه. يقال: كنتُ عنده وَفْقَ طَلَعتِ الشمس: أي حينَ طلعت أو ساعةَ طلعت.
ويقال: أُنفقَ المالُ على وَفْقِ المصلحة / وَفْقَ المصلحة.
· الحَسَبُ: حسَبُ الشيءِ: قدْرُه وعدده. يقال: الأجرُ على حَسَبِ / بحَسَبِ / حَسَبَ العمل.

ملاحظة: للاستزادة انظر (مسالك القول في النقد اللغوي) لمؤلفه الأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي. علماً بأن معظم مادة هذه الفقرة مقتبس من هذا الكتاب.
29- راوَحَ - تَراوَحَ


· «راوَحَ»
فعلٌ لازم. يقال: راوح الرجُلُ بين العملين: عمِلَ هذا مرة وهذا مرة. راوَحَ بين رِجْليه، وبين جنبَيْه وأمثال ذلك: يُعمِل هذا مرة وهذا مرة. ومنه الإيعاز العسكري: «مكانَكْ، راوِحْ!» إذا أُريدَ أن يَلزَمَ الجنديُ مكانَه، ويحركَ رجليه بالتناوب فِعْلَ الماشي.
ويمكن - مجازاً - أن يقال: راوَحَ الضغطُ بين 50 و 60 كغ/سم2، (بار) وعندئذ يُفهم أن الضغط كان تارةً 50، وتارةً أخرى 60!.
أما إذا أُريدَ التعبير عن أن الضغط كان متغيراً في المجال 50-60، فيمكن القول: تَقَلَّب الضغط بين 50 و 60، أو كان الضغط واقعاً في المجال 50-60.
· «تراوَحَ» فعلٌ من أفعال المشاركة (أي يشترك فيه اثنان فصاعداً). وهو يأتي متعدياً فيقال: تراوَحَ الرجُلان العملَ: تعاقباه؛ تراوَحَتْه الأحقابُ: تعاقبت عليه. ويأتي لازماً: فلانٌ يداه تتراوحان بالمعروف: تتعاقبان به.
ومع ذلك، أجاز (!) مجمع القاهرة أن يقال: (تراوح الجوُّ بين الحَرِّ والبَرْد)، والفاعل هنا واحدٌ فقط: الجوّ! والمعنى أنه كان تارةً حاراً، وتارةً بارداً؛ وأن يقال: (تراوح السِّعرُ بين الارتفاع والانخفاض)، والفاعل هنا أيضاً واحدٌ فقط: السعر! والمعنى أنه كان تارةً مرتفعاً وتارةً منخفضاً.
فهل تؤدي العبارة: (تراوحت درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ) ما يؤديه قولنا: (كانت درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)؟!! أو: تَقَلَّبتْ درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)؟
ثُم ألا يُغْني قولُنا: (تقع درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)، عن القول: (تتراوح درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)؟
أو حتى قولنا: (درجة الحرارة هي بين كذا وكذا)؟

30- التقويم والتقييم


جاء في معاجم اللغة:
1- قوَّم الشيءَ: ثقَّفه: جعله يستقيم ويعتدل (متن اللغة).
: عدَّله (محيط المحيط).
قوَّم المُعوجّ: عدَّله وأزال عِوَجه (الوسيط).
قوَّم السِّلعة: سَعَّرها وثَمَّنها (الوسيط).
قوَّم السلعة: قدَّر ثمنها وسعَّره (متن اللغة / مجاز!).
قوَّم السلعة واستقامها: قدَّرها (لسان العرب).
قوَّم المتاعَ واستقامه (أساس البلاغة).
وعلى هذا يكون معنى التقويم:
أ - التعديل، نحو: تقويم الأسنان…
إن الغصون إذا قَوَّمْتها اعتدلتْ ولا يلين إذا قوَّمْته الخشبُ
ومن هذه البابة استعمال (التقويم) في بعض التعابير، نحو: تقويم الأخلاق، تقويم اللسان (أي اللغة)، تقويم التيار الكهربائي المتناوب.
ب - التقدير: ومنه:
التقويم: حساب الزمن بالسنين والشهور والأيام (الوسيط + محيط المحيط).
تقويم البلدان: تعيين مواقعها وبيان ظواهرها (الوسيط) - بيان طولها وعرضها (محيط المحيط).
ما قوَّمَتك ملوكُ أرضٍ قيمةً إلا ارتفعْت وقصَّر التقويمُ
(العباس بن الأحنف)
2- القيمة: ثمن الشيءِ بالتقويم (اللسان).
قيمة الشيء: قدْره؛ قيمة المتاع: ثمنه (الوسيط).
ثمة قاعدة صرفية مطّردة [انظر كتاب (أضواء على لغتنا السَّمْحة)، محمد خليفة التونسي /212]: إذا وقعت الواو ساكنةً بعد حرف مكسور، قُلبت ياءً لتُناسب الكسرة التي قَبْلها.
فنصوغ من (وَزَن، وَقَت، وَعَد) أسماءً على وزن مِفْعال بقولنا: ميزان، ميقات، ميعاد. ولا نقول: مِوْزان، مِوْقات، مِوْعاد!
ونقول: قام يقوم قوماً؛ دام يدوم دوماً؛ عاد يعود عوداً. ثم نقول - طِبْقاً للقاعدة الصرفية السابقة - قِيْمة، دِيْمة (المطر يدوم طويلاً)، عِيْد. ونجمعها على؛ قِيَم، دِيَم، أعياد. والمطّرد في الاشتقاق من هذه الألفاظ ونحوها، الرجوع إلى أصل الحرف في الفعل الثلاثي. فإذا اشتققنا من (قيمة) نقول: قوَّمت الشيءَ تقويماً؛ بإعادة الياء واواً كالأصل. ونقول: دوَّمَتِ السماءُ، بمعنى أنزلت مطراً دام طويلاً.
ولكن العرب أهملوا أحياناً النظر إلى أصل حرف العلّة هذا، فقالوا: (دَيَّمتِ السماء) أخْذاً من (ديمة)، مثلما قالوا: (دوَّمتِ السماء). وقالوا: (عيَّد الناسُ) إذا شهدوا العيد، ولم يقولوا: (عوَّدَ الناسُ) [وذلك دفعاً لتَوَهّم أنها من (العادة) لا من (العيد)].
وعلى هذا جوَّز مجمع القاهرة سنة 1968 استعمال التقييم بمعنى بيان القيمة، وأورد في معجمه (الوسيط): قيَّم الشيءَ تقييماً: قدَّر قيمته.

31- خاصةً، خصوصاً، خِصِّيْصى، الخِصِّيْص


مصادر الفعل الثلاثي
سماعية، تُعرف بالرجوع إلى المعاجم وكتب اللغة [بخلاف مصادر الرباعي (المجرد والمزيد) والخماسي والسداسي، فهي قياسية؛ وشذّ بعضها عن القاعدة وخالف القياس].
والفعل اللازم (خصَّ الشيءُ يَخُصُّ خُصوصاً وخَصوصاً: ضِدُّ عَمَّ) له - كما نرى - مصدران.
والفعل المتعدّي (خَصَّهُ) بمعنى فَضّله دون غيره ومَيَّزه، له أحد عشر مصدراً! أهمها:
خصَّه يَخُصُّه خَصّاً وخُصوصاً وخُصوصِيَّةً وخِصِّيصَى وخاصةً. ويرى بعض اللغويين أن (خاصة) اسم مصدر، أو مصدر جاء على (فاعلة) كالعافية.
تقول: أُحبّ الفاكهة (و) خصوصاً العنبَ. [بالواو أو بلا واو]. (ينصب خصوصاً على أنه مصدر نائب عن فعله، وما بعده مفعول به: سُرَّ الأولادُ باللَعِب خصوصاً الأطفالَ الصغار)
وتقول: أُحبّ الفاكهة (و) خاصَّةً العنبَ. [بالواو أو بلا واو].
وتقول: أُحبّ الفاكهة وبخاصّةٍ العنبُ [العنب: مبتدأ مؤخر].
وجاء في (اللسان / خصّ): «سُمع ثعلب يقول: إذا ذُكر الصالحون فَبِخاصّةٍ أبو بكر، وإذا ذُكر الأشراف فبخاصةٍ عليٌّ.»
ويقولون: (فعلتُ هذا خِصِّيصاً لك)، وهذا خطأ صوابه: (فعلتُ هذا خِصِّيصَى لك، أو خاصاً، أو خصوصاً، أو خَصّاً). ذلك أن المصدر (خصيصى) لا يُنَوَّن لأن أَلِفَه زائدة وليست من أصل الكلمة (خَصَّ).
وكذلك (سلمى) لا تنون لأن ألفها ليست من الأصل (سلم).
على أن في اللغة كلمة أخرى هي: (الخِصِّيْصُ: مَن هو أخَصُّ من الخاصّ)، وهذه تُنوّن! فمثلاً: جاء في الصفحة 10 من كتاب (أسرار الحكماء) لمؤلفه جمال الدين ياقوت المستعصمي البغدادي (توفي 698 هـ): «وقال عنه ابن تغري بردي: وكان جمال الدين ياقوت خِصِّيْصاً عند أستاذه الخليفة المستعصم بالله العباسي»، أي: كان جمال الدين أثيراً عند الخليفة، ومن أخصّ خاصّته.
وهناك مصادر أخرى على وزن فِعِّيلى، منها:
بَزَّ قرينَهُ يَبُزُّه بَزّاً وبَزَّةً وبِزِّيزَى: غَلَبَه.
ترامى القومُ ترامياً ورِمِّيَّا: رَمى بعضُهم بعضاً. [تكتب الألِف في (رِمِّيّا) قائمةً لأنها مسبوقة بياء!].ويقال: كانت بين القوم رِمِّيَّا ثم صاروا إلى حِجِّيزَى: تَرامَوْا ثم تحاجزوا (انفصل بعضهم عن بعض).

هناك تعليق واحد:

  1. لفتت نظري تلك التخطئة عند الرقم 18 لاستعمال كلمة "يتوجّب". صحيح أن الوسيط لا يوردها بمعنى "يجب"، لكن الوسيط نفسه في مقدمته يذكر أن المجمع أقر عددا من القرارات منها:
    (3) قياس المطاوعة لفَعّلَ مضعّف العين، وهو "تَفَعَّلَ".

    وبالعودة إلى الجذر وجب في الوسيط ومعاجم أخرى نجد ما يلي:
    (وَجَّبَتِ) الإِبلُ: أَعْيَتْ وتَعِبَت. و- اللّبَأُ في الضَّرْع: انعقد. و- فلانٌ فلاناً: أَلزمه.

    وعليه يمكن استعمال التعبير "توجّب" باعتباره صيغة المطاوعة لـ"وجّب" بمعنى ألزم.

    ردحذف

Post Your Comment